الأحد، ٩ أكتوبر ٢٠١١

تعريف بدون ال التعريف _ ماجد الدجاني

تعريف بدون ال التعريف

في دربنا الطويل تحزن الإحزان
في دربنا الكئيب تدمع الدموع
يتوق للمياه جدول يجف ريق ساقيه
يجوع جوع
وفي طريقنا مشانق ابتسام
يحرم الشدو على الحساسين وحرموا
أن يهدل الحمام
وفي الصدور زفرة كأنها اللظى
تدافع الأنين تدفع الآهات من جوى
تجول في الزحام
وفي شوارع العيون
لهفة انتظار
الحب مات والربيع
وجفت الخدود في الزهور
وأذبل الأسى ابتسامة الأطفال
ونحن في انتظار
نطارد الرغيف
ونرهق الأشعار نوجع الحروف
لكنما الشتاء دائما عطية الخريف
الموت في الحياة وانتظار نشرة الأخبار
صارا مع الزمان عادة
يورثها الكبار للصغار
كالموت كالدموع
كالآهات كالخطاب كالشعار
لأننا محاصرون بالمهرجين
بالساسة ا لكبار
كأنهم سحابة لا تعرف لأمطار
محاصرون بالنزيف بالزحار
محاصرون بالأسى في أعين الأطفال
وشوكة الظلام في حناجر الصباح
والآخرون دائما هم الجحيم
ويحلمون يرقبون يقبلون كل كذبة
ودائما يصفقون
لموتهم يصفقون
لقاتل الأحلام والندى يصفقون
لأي منبر يصفقون
لأي كاذب مناور يصفقون يهتفون
لكنني أحبهم لأنهم شعبي الذي
على الفؤاد لا يهون
والصيف ينضج الثمار
***
لا بد للفراش من هنيهة بظلمة الشرانق
ولو دقائق
لا بد للحداد من مطارق
لا بد قبل إن يعبق الربيع
من فترة السكون للعصارة
تثيرني مراكز التفتيش
في أزمنة الحضاره
وداع أم لابنها الذي تشده الخنادق
واشمئز من نتانة الأحقاد والحروب والحرائق
تثيرني السجون والقيود والمشانق

لذا من المحال ان نعانق السكوت
من المحال أن نجيد لعبة الصنم
لأن صوتنا بعث
و صمتنا عدم
لأننا بموت صوتنا نموت
نصير أوهى في الوجود من خيوط عنكبوت
لا بد في النضال أن
نخلق الحياة من عدم
لذا نحارب الغروب بالشروق
من غمده نجرد القلم
ونشحذ الهمم

ترانيم شاعرة ‎"""انين الماضي

‎"""انين الماضي"""
""""""""""""""""""""
جبان أنت أيها الماضي
وانت ترافق دربي
رغم رفضي
رغم صراخي
رغم هروبي
فكم انت علي قاسِي...
جائر انت أيها الزمن القاضي
ألم تكتفي من محاكمتي
في سنين سجني
وأيام عذابي
حتى الأستئناف حرمتني
وبالشقاء حكمت عليَّ
وعذبتني
في طفولتي
في شبابي
كم أشقيتني
وما رحمتني
و هاأنت مازلت تلاحقني
بآهاتك التي تذبحني
فهلا أخبرتني
الى أين تأخدني
والى متى...
ستظل ترافقني.؟؟؟
ابكي الذكرى باطياف التمني
وارتجي حاضرا يمزق احلامي
وغدا ضاع قبل ان ياتي
كي يظيئ لي شمعة عمري
ارك تفارقني على امواج الايام
فقد بت اسيرة احزاني
اااااااااااااااه يا بحر
كم ارغب ان اذيب على شطك ذاكرتي
اسكبها على الرمال
لكني اجدها قابعة
ساكنة
مستسلمة
كانها تتحاشاني
والذاكرة تصاحبني
تلاحقني
تقبض حرفي
تسكنه احزاني
خلف الشطوط و بين القوافي

بقلم ترانيم شاااااااعرة

أحتاجك أنا_بقلم: سوزان عون

أحتاجك أنا................

أحتاجك هواء أتنفسه...
أحتاجك شراعا تدفع به
سفينتي نحو بحرك الرحب..

أحتاجك روحا لحياة
تلفظ أنفاسها بدونك..

أحتاجك غيوم حنان
ماطرة في ليالي
القحط والجدب..

أحتاجك حروفا لقصيدة
تنفخ عليها من
أنفاسك لعلي
أبرع في نظمها..

أحتاجك صدرا
حنونا أبكي عليه
وأشكو له
وحدتي وغربتي..
أناجيه في
ليالي الشوق...
أغنيه لحنا....
أعزفه حبا....

....أنا..............
أحتاجك مستقبلا وحاضرا...
ووتدا لايام هازلة ..

وعمرا بات على أعتاب النهاية...
أيُّ تاريخ لي بدون حضارتك...

وأيُّ دواوين بدون نظمك..
وأيُّ حياة بدون أرضك
الخصبة حبا وودا وعشقا...

وأيُّ دفء بدون
شمس أيامك
تشرق على ليالي
الوحدة الحالكة...

يانجم سمائي...
وياسماء أرضي....
وياقمرا منيرا
طرد بوجوده
خفافيش الوحدة
من حياتي...

أنتظر حنانك
يغمر أيامي بعشق
فريد إسمه أنتَ.....

أنتظر غيرتك تحوطني
كحرز من
عيون المارين...

فاأعلم...

إنّ رايتك قد
علقتها علما
يمهر سفينتي
المخترقة عباب
محيطك الواسع...

وأنتظر شواطئ
جزيرتك لأرسو عليها....

وأدلي مرساتي
في رمال حبك...
وأغرق بعدها
بين يديك......

بقلم: سوزان عون.....

يوميّات أكـتوبـرية { برنامج إذاعيّ في كتاب 2005 } مُحمّد دُرّة


فى ذلك اليوم ،

منذ الثالثة فجراً ..

دارت عدة اتصالات هاتفية ,

بين الجنرال ( شاليف ) .. مدير التقديرات العسكرية الإسرائيلى ،

و .. ( موشى ديان ) .. وزير الدفاع ,

و .. ( دافيد اليعازر ) .. رئيس الأركان ,

و .. ( جولدا مائير ) .. رئيس الوزراء الإسرائيلى ,

حيث أخطرهم الأول .. برسالة وصلته من مصادره السرية ,

أن هجوماً مصرياً سورياً .. تقرر مع آخر ضوء لهذا اليوم ,

السادس من أكتوبر سنة 1973م ..


:
:
:


و اجتمعت هيئة الأركان فى إسرائيل بعد الخامسة صباحاً ،

و قد تباينت الآراء بين وزير الدفاع .. و .. رئيس الأركان ,

حول مدى صحة هذه الرسالة .. و مدى إمكانية قيام الحرب من عدمه ..


:
:
:


و بعد انتهاء الاجتماع التمهيدى ,

الذى لم يصل إلى نتيجة ..

اتصلت ( جولدا مائير ) رئيس الوزراء الإسرائيلى ,

بالولايات المتحدة الأمريكية ،

و استقبلت .. فى التاسعة و النصف صباحاً ..

السفير الأمريكى فى تل أبيب ,

و بادرته قائلة :

{إن إسرائيل تواجه موقفا عصيباً ،

فهناك هجوم مصرى – سورى موجه إلينا فى ظرف ساعات ,

و الموعد المحدد له .. هو مساء اليوم ,

و أنا أريد أن يصل هذا الكلام .. فوراً .. إلى الرئيس الأمريكى نيكسون ... } ..


:
:
:


و حتى الواحدة ظهراً ..

كانت اجتماعات المسئولين .. و القادة العسكريين الإسرائيليين ,

مازالت متلاحقة ..

و الجدل مازال مستمراً ,

بين دعوة الاحتياطى ،

أو .. البداية .. بضربة جوية وقائية ,

تمنع الهجوم قبل انطلاقه ..


:
:
:


أما فى أمريكا ..

فقد كانت الساعة هناك تشير إلى السادسة صباحاً ,

عندما أيقظوا .. ( هنرى كيسنجر ) .. وزير الخارجية الأمريكى ,

ليبلغوه .. رسائل .. ( جولدا مائير ) ..

و عندما اتصل ( كيسنجر ) .. بمكتب المتابعة فى مجلس الأمن القومى ,

للتأكد من هذه المخاوف ..

أبلغوه .. بحدوث تحركات .. على الجبهتين .. المصرية و السورية ،

لكن ..

كان الاتجاه الغالب .. فى آراء الخبراء الأمريكيين , هو :

أن حرباً .. فى الشرق الأوسط ..

ليست على وشك الوقوع ..


:
:
:


و اتصل .. ( كيسنجر ) .. بوزير الخارجية المصرى .. (د.محمد حسن الزيات )

الذى كان متواجدا فى .. نيويورك ,

للإشتراك فى .. أعمال دورة الجمعية العمومية العامة للأمم المتحدة ..

و قد أبدى الوزير المصرى .. دهشته ..

من .. هذه الرسالة الإسرائيلية ,

و أشار إلى .. مخاوفه ,

أن تكون .. مجرد ذريعة .. تنوى إسرائيل .. استغلالها ,

للقيام بعمل عسكرى .. ضد مصر و سوريا ..


:
:
:


و هكذا ,

على مدار الساعة ..

كانت الاتصالات كثيفة جداً ,

بين أمريكا .. و مصر .. و سوريا .. و إسرائيل ,

فى هذه اللحظات التاريخية ,

لمحاولة استكشاف ما يجرى ..


:
:
:


و .. فى الساعة الثانية .. و .. بضع دقائق ,

بعد ظهر هذا اليوم ,

و .. فى مبنى رئاسة الأركان الإسرائيلية ..

إلتف المراسلون العسكريون ,

حول .. الجنرال .. " إيلى زعيرا " .. رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ,

الذى بادرهم .. قائلاً :

{ إن العرب .. إذا بدءوا بإطلاق النار ..

سوف يدّعون بعد ذلك .. بأننا .. من بدأ الحرب } ..


:
:
:


فى تلك اللحظة ..

دخل سكرتيره الخاص ..

و .. مد يده إليه .. بورقة صغيرة ..

نظر فيها " إيلي زعيرا " .. على عجل , ثم .. خرج من الغرفة مسرعاً ..

كانت هذه الورقة تحوى عبارة واحدة ..

{ لقد بدأ المصريون .. بإطلاق النار } ..


:
:
:


أما ..

على أرض سيناء ..


:
:
:


فقد كانت الطائرات المصرية ,

تنطلق فى أسراب ..

تخطت .. ( 200 طائرة ) ..

قامت بضرب مراكز القيادة ..

و مواقع الرادار ..

و مناطق حشد و عقد مواصلات و قواعد الطائرات الإسرائيلية ,


:
:
:

كذلك ..

كانت فوهات أكثر من .. ( 2000 مدفع ) ..

تضرب - بكل قوتها - بعيداً .. وراء خطوط القوات الإسرائيلية ,

لقطع العمق عن الجبهة ..


:
:
:

كذلك ,

بدأت القوارب المطاطية ,

فى النزول .. إلى القناة , بجنودها ..

بما يقارب .. ( 600 قارب مطاطى ) ..

تحمل حوالى .. ( 5000 جندى مصرى ) ..

:
:
:

و .. لحظتها ,

تأكد أن مجموعات الصاعقة ,

التى تسللت .. قبل بداية الهجوم بساعات ,

قد نجحت ..

فى تعطيل .. مواسير اللهب ..

:
:
:

و فى الثالثة و النصف عصراً ,

كانت قوات المهندسين .. تعبر قناة السويس ,

فى وحدات بحرية ..

لفتح الثغرات .. فى الساتر الترابى .. على الضفة الشرقية ,

باستخدام .. خراطيم المياه ..

:
:
:

و فى الساعة الخامسة والنصف .. قرب غروب الشمس ,

كانت القوات المصرية .. التى عبرت القناة ,

تصل إلى .. ( 2000 ضابط ) ..

و .. ( 30 000 جندى ) ..

:
:
:

و فى العاشرة مساء ..

كانت قوات المهندسين ,

قد تمكنت من فتح .. ( 60 ثغرة ) .. فى الساتر الترابى ،

:
:
:

و بحلول .. منتصف الليل ,

كانت خمس فرق كاملة

- من المشاة .. و .. المدرعات -

على الضفة الشرقية .. لقناة السويس ..

و كانت معظم مواقع خط بارليف ,

قد حوصرت ..

و نصفها .. تم اقتحامه ..

:
:
:

و كأن صدى صرخات الجنود ,


( الله أكبر ) ..


ما زالت .. تتردد .. حتى اليوم .. فى مسامعنا ..

:
:
:


و .. ستبقى .. في سمع التاريخ .. للأبد ..


>>><<<>>><<<>>><<<>>><<<>>><<<
>>><<<>>><<<>>><<<>>><<<>>><<<

حسنين القاسمي حين اسهر

حينما اسهر انا وذكرياتك

وأقلب وجه الاشتياق اليك

وافكر بك حينما ارى النجوم

واجلس حاملا ذلك الكاس

الذي طالما بدا يسأم من مشروبي

وافكر هل تفكرين بي

ام تشتاقين الي كما اشتاق لك

هل مازلت تناديني بافراحك

هل مازلت تهمسي باسمي حينما تتكلمين الناس

ومرت الايام

ومازال الخصام يرتوي من اضلاعي

وتتصنعين الاشتياق

وتجلسين بقربه

واسمعك تقهقين وتترنحين

وتثملين

وانا منبهر

فكنتي قد كتبتك تلك القصيدة الرائعة

التي مازلتي تقرأينها

انت كنت قافيتي

فاهديتها لغيري

وكنتي خاطرتي فوهبتيها

وكنتي تلك النكهة الرائعه في كاسي فحملتي الكاس ووهبت نكهتي المفظلة لغيري

وكنتي حمامتي البيضاء

وهجرتني بملئ ارادتك

تصوري كبريائي

وكل عنوفاني

حينما حطمتهما امامك

ووقفت امامك واهديتك كل ابتسامتي

وناديتني حبيبي بلغة لم اكن اعرفها

وكنتي تخجلين ان تقولي لي معناها

وساكتفي بهذا ولم اعد استطيع القول اكثر

وساعتزل الحب وارفع راياتي فقد خسرت الجوله من الاولى

الجزء الثانى من رباعيات وطن حر بقلم عادل محمد بدر

الجزء الثانى
من رباعيات وطن حر بقلم عادل محمد بدر


صامت وواقف عل البيبان
من صمتُ قام صرخ الزمان
إشهد يا عالم إحنا بشر
ضد الغلابة صدر البيان
6

راحت حقوقنا بكفي جدل
ولا حد فينا لهدفُ وصل
خلى المراكب تسري بأوانها
إحنا بقلوبنا مات الامل


7


تاريخ وسيرة عظمة شعوب
لقضيتى تجحد ترفض تؤوب
عروبا هزيلا ملهاش وسيلة
تايهة بعيوبها بين الدروب


8
روحوا إسألوا حتى المدينة
فيها الشوارع باتت حزينة
حتى الماذن عايشة بسكونها
فيها اللي غدروا بعهدك نبينا

الجمعة، ٧ أكتوبر ٢٠١١

خوابي الجنون المعتّق__سامي الشرقاوي

خوابي الجنون المعتّق

على الصهوةِ امتطيني
وغرّبي بي وشرّقي
إحقني جنونَكِ بجنوني
بدّدي العقولَ وفرّقي
نحن مِن بدءِ التكوينِ
قَطَعنا دروبَ المنطقِ
إغمسي حبَّك بحنينني
فوقَ الغيومِ حلّقي
بإسمِك أُقسمُ يميني
لأجلكِ أناجي جُلَّقِِ
لا تضعفي لا تهوني
خُذي أنفاسي وأحرقي
في خوابيكي اسكبيني
خمرَ جُنوني عتّقي
بعد ذلك اشربيني
شهدَ الجنونِ تذوقّي
على شفتيكِ اتركيني
من مِزلقٍ لمِزلقِِ
ثم عودي وارشفيني
بكلِّ تأنّي وترفّقِ
فيكي يكتملُ جنوني
اليكِ أسمو وأرتقي
عندَكِ أضيّعُ يقيني
ومنكِ الجنونَ أستقي
منّي انهلي معيني
لا نحذرُ شيئا لا نتّقي
أنتِ أميرةُ الياسمينِ
جنونُ حسنُكِ يعبُقِِ
وأنا فراشةً دعيني
على خدِّكِ المتألقِِ
أتحسّسُ فيكِ حنيني
وأروي بكِ تشوّقي

سامي الشرقاوي

عبد الحافظ متولى((rمجـــلة ( بيتـــي وبيتــــك ) مجلة كل العرب الواقع السياسى فى القصة القصيرة

الواقع السياسى فى القصة القصيرة

بقلم/ عبد الحافظ بخيت متولى
مدخل
لا يمكن دراسة الانعكاسات السياسية فى الاعمال الأدبية واستجابة هذه الاعمال دون الوقوف على مفهوم الواقع السياسى, والذى يقصد به تلك المماراسات السلطوية التى تحدد المناخ التشريعى للفرد وعلاقته بالدولة وترسم حدود واجباته تجاه الوطن وحدود واجبات الوطن تجاه الفرد, ومن هنا كان لابد من تتبع هذا الواقع السياسى وتحولاته ورصد هذه التحولات وهل ه
ى فى صالح الفرد أم ضده؟
والواقع السياسى الآنى فى مصر يشير الى عدة تحولات فى الفترة ما بين 1952 إلى الآن ,وهذه الفترة تبدو للراصد أنها كانت مليئة بالتحولات السياسية فى المجال الخارجى او الداخلى,فعلى المستوى الخارجى وقعت ثلاثة حروب هى هزيمة يونيو 1967 وحرب الاستنزاف وحرب اكتوبر 1973 وعلى المستوى الداخى حدث تحولات سياسية كبيرة أهمها غياب الديمقراطية وغياب العدالة الاجتماعية والعنف السياسى
ولم يكن الابداع القصصى فى الجنوب بعيدا عن رصد هذه التحولات على المستوى الخارجى أو الداخلى, فلقد استطاع الإبداع القصصى أن يبلور العلاقة بين الثقافى والسياسى أو بين الابداع كفن له أدواته الخاصة وبين السياسى الذى يقدم أطروحاته الخاصة أيضا, ولكن السؤال المهم عند رصد هذه العلاقةهو: هل عبر الابداع القصصى فى الجنوب عن القضايا والتحولات السياسية تعبيرا جيدا يتناسب مع حجم هذه القضايا أم أنه وقف عن زواية معينة؟عند الاجابة عن هذا السؤال تطالعنا صعوبة مزدوجة .
والصعوبة الأولى هى: "أن الإبداع لا يمكن أن يكون ترجمة حرفية للتحولات السياسية, لأنه بحكم خصوصيته وأدواته وارتباطه بذاتية المبدع لا يمكن أن يكون استنساخا أو تكرارا لما هو رائج فى عالم السياسة, والإبداع القصصى فى أشكاله اللامتناهية ومقتضيات وسائله المغايرة لطبيعة التواصل المباشر ينحو إلى إعادة خلق الاشياء والعلائق والفضاءات من خلال مسافة جمالية محددة يضعها بين المعيش المباشر والرؤيا الفنية التى تمزج المادى بالنفسى والملموس بالمحلوم به ومشاهد الواقع "1"بمخزونات الذاكرة ,وهذا لا يعنى أن العوالم الابداعية منقطعة الصلة بالحياة وأسئلتها وإنما يعنى أن قلق أسئلة الفن يطغى على استخدام الطابع التسجيلى للقضايا السياسية داخل العمل الفنى, ومن ثم فإن كتاب القصة قد يلجأون إلى تقنيات فنية لاتبدو مباشرة فى التعبير عن الواقع السياسى, مثل استخدام الرمز أو توظيف الحلم أو غير ذلك
والصعوبة الثانية: هى أن حجم التحولات والقضايا السياسية كبير ومتشعب ولا يمكن ملاحقته واستيعابه من قبل كل المبدعين

(1) تجارب فى الابداع العربى , كتاب العربى , 77 ,يونيو 2009,صـ 47
ومع ذلك فإن مرحلة الثمانينيات التى يتناولها هذا البحث لا تشكل صوتاً ناشزاً عن الإيقاع العام، ولا هي منفصلة عما سبقها أو لحقها، لكنها تحمل الكثير من الخصوصيات التي ارتبطت بها لأن بدايتها تواشجت مع أحداث سياسية عربية ومحلية تركت بصماتها واضحة على الحياة الاجتماعية والفكرية والذاتية، وختمت أيضاً بأحداث سياسية عربية وعالمية، كان لابد أن تترك آثارها فيما جاء بعدها، وخلال السنوات التي تُجسّد عمرَ هذه المرحلة مرت البلاد بظروف سياسية وفكرية واجتماعية واقتصادية عديدة أثّرت في القصة القصيرة فى الجنوب التي غالباً ما كانت تواكب جديد المجتمع، بغضّ النظر عن إمكانيات تلك المواكبة وما يمكن أن تحققه في هذا المجال أو ذاك.
ظروف المرحلة:
قد حدثت في البلاد إبان هذه المرحلة مجموعة أحداث سياسية تتعلق بحركة التحولات السياسيةوالتفجيرات التي استمرت سنوات، وأشاعت جواً مرعباً في نفوس الناس، لأنها طالت الجميع، وقد جعلت البلاد و"أبناء الشعب يدفعون ثمناً غالياً أسهموا جميعاً فيه نتيجة لطبيعة هذه التحولات التي شغلت البنية السياسية والفكرية والاجتماعية مدة من الزمن"1"، وجعلت الأذهان تتجه إليها، بل ربما لا يبتعد المرء عن الحقيقة إن قال: إنها أسهمت في ثبات مختلف جوانب الحياة دون أن ننسى تشويه حقيقة البلاد، وسمعتها وسوى ذلك مما يتعلق بآلية النظرة لأمور عديدة، و لا ننسى ما وصلت إليه الأحوال الاقتصادية التي تعرضت لاهتزازات كثيرة، متعددة الأسباب من داخلية وخارجية وكان أن انصرف معظم أبناء المجتمع في سبيل تحصيل مواردهم الأولية، وهذا مؤشر خطير أسهم في الإعاقة أيضاً؛ لأنه شغل أذهان الناس بأمور الحياة المعيشية وتأمين المتطلبات، والمأساة كانت في عدم توفير ما يسعى إليه الإنسان والوصول إلى فقدان مستلزمات حياتية يومية، وهاهنا لابدّ للمرء أن يشير إلى أن هذه الأحداث شكلت خطراً حقيقياً على البلاد والحركة الاجتماعية، لأنها أسهمت في جعل أبواب الفساد مشرّعة أمام صعوبة تأمين مواد المعيشة، وجعلت كثيرين يدفعون الثمن غالباً لتحصيل ضروريات حياتهم مع ما فتحته من ميادين لانتشار السوق السوداء وخلق طبقة من المرتزقة والمستفيدين نموا في هذه الظروف التي تعد خصبة لازدهارهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ
"1" دكتور حمدى حسين , الؤية السياسية فى الرواية الواقعية , مكتبة دار الادب , صـ 67
"
ونتيجة لمجمل هذه الظروف فإن حركة الأحزاب قد خفّت كثيراً، وكادت تتلاشى لأن الأحوال الموجودة كانت أقوى، وكان على الصحافة أن تأخذ دوراً متميزاً في هذه الظروف إلا أنها لم تستطع ذلك، لأن أحادية الرؤية في عدد من الأفكار كان لها ثمرات غير حسنات على هذه الأوضاع، بخاصة أن الصوت الواحد في ظروف مثل هذه الظروف يغدو ضرورة بنظر كثيرين كي تعود الأمور إلى مجاريها، وكان أن بدأت جموع الناس تتنفس الصعداء في نهايات هذه المرحلة نتيجة الانفراج وشهدت ازدهار مجموعات من المتطفلين والمرتزقة الذين استغلوا بعض الأحداث خير استغلال، ولا ينسى المرء ما حدث نتيجة للحصار ومنع بعض المواد فيما يخص إتاحة المجال لحدوث تهريب لكثير من الممنوعات والأشياء غير المتوفرة في البلاد، وهذا أدى إلى نشوء مجموعات من المرتزقة، وبدأت الدوائر تتسع فيما يخص الفساد""1"، لأن هذه الأحوال الاستثنائية والصعبة تغذي ضعاف النفوس وهواة الاستغلال والإساءة لكرامات الناس وتسمح لهم بالإعلان عن أنفسهم، فكان أن عاث عديدون منهم فساداً في مقدرات جوانب كثيرة من خيرات البلاد، واستفاد عشرات من موظفي الدولة من المهمات الملقاة على عاتقهم والحيز المتاح لهم، ليحققوا ما يصبون إليه، وقد راكموا كثيراً من الإساءات التي تعرض لها كثيرون، لأن مبدأ المحاسبة في هذه الأحوال لا يشكل حضوراً قوياً، إضافة إلى اختلاط الأمور ببعضها مما ترك المجال مفتوحاً لخلط مقصود بين المصالح العامة والمآرب الشخصية بحيث يتم تحقيق المآرب الشخصية بحجة المصالح العامة.
نشأت نتيجة لمجمل الظروف السابقة آليات تفكير عديدة بعضها يتعلق بالظلم الذي من الممكن أن يحيق بأي شخص دون أن تكون دوافع موضوعية خلف هذا الظلم، إضافة إلى ترسيخ جذور التفكير النفعي والمصلحي والمجاملي، وسوى ذلك من رؤى تفكيرية تخلط الأمور ببعضها وتكدر صفو الفكر، وتجعل الأمور مشوشة مختلطة.
إن حالة عامة من الخوف قد شاعت لفترة من الزمان بين الناس مما جعل كثيرين يفقدون دافع المطالبة بالحقوق المهضومة لإيمانهم بعدم جدوى هذا الأمر، وإن كانت الأيام في كثير من الحالات قد كشفت غير ذاك فيما يخص بعض الذين لا يُرضى عنهم، وبات المرء يشعر أن القوانين موجودة لا لتطبق على الجميع، بل على بعض الحالات والشخوص وهذا كان يحزّ في النفوس كثيراً.وقد أسهمت مجمل الظروف السابقة كما قلنا من قبل في اتساع دائرة المرتزقين والطفيليين ونشوء طبقة الأغنياء الجدد بإفرازاتها الاجتماعية والفكرية المختلفة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــ
"1" المرجع السابق , صـ 103
لناجمة عن التغير الطفرة، وتغير الطفرة هذا مثالبه كثيرة، وعقابيله وخيمة نتيجة لمايتطلبه، وما تفرضه بناه في مجمل أنماط الحياة التي تعيش، وقد بدا ذلك جلياً بعد انفتاح التسعينيات الذي شهدته البلاد.
إن التغيرات والتحولات الداخلية التي حدثت في هذه المرحلة قد زعزعت الكثير من الثوابت، وقوّضت عشرات القيم والأخلاقيات التي ما كان للمجتمع أن يتخلى عنها بسهولة، وأسهمت في تشكيل ما يمكن أن يدعي نكوصاً وردّة في العديد من آليات التفكير وبناه التي اعتقد عديدون أنه تم التخلي عنها، لأن هذا التخلي لا يتم بين يومٍ وليلة، ويحتاج الكثير من الشغل المحسوب فكرياً وليس القمعي كي يتم التخلص منه، أما إن تمّ تأكيد ضرورة تغييره إجبارياً فإنه غالباً ما يخلق حالة رد فعل معاكسة!ولقد كان لهذه المرحلة ظروفها الخاصة التي جعلت العديدين يعيدون النظر بكثير من ثوابتهم، وأسهمت في تعطيل الكثير من المفاهيم والرؤى، مع ما شكلته من شرخ على أصعدة عديدة فأفرزت هذه الأوضاع وقدمت ما قدمته، وكل ما سبق تجلى بصور عديدة في عشرات القصص وأسهم في حدوث تغيرات رؤيوية تخص فهم القصة، وانصرف عديدون إلى الحديث عن خصوصياتهم، لأنهم وجدوا الخارج يحاول أن يستلب معظم عوامل التفرد والانمياز.
إن مجمل التغييرات التي حدثت تحتاج إلى وقفة تكشف بعض ما جرى، فعلى صعيد التعليم مثلاً بدأت تنتشر أفكار تخص جدوى التعليم بعد أن بدأ خريجو الجامعات يبحثون عن عمل في أي مكان، إضافة إلى بدء حصول البون الشاسع بين الدخل والمصروف، وهذه المتغيرات أدت إلى زعزعة كثير من الثوابت التي تخص هذا الميدان، وراحت شعارات إلزامية التعليم تفقد جدواها وواقعيتها، لأنها أصبحت فارغة من محتواها في ظل انتشار "أمية المتعلمين" التي بدأت تشيع إلى أن وصلت إلى أمور لا تحمد عقباها؛ لأن هذه الأمية من الأميات غير المعلنة، وهي أكثر مأساوية، لأن آثارها تتغلغل في نسج المجتمع، وتسهم مع غيرها في تحويل الأمور عن مساراتها؛ نتيجة حدوث شرخ بين القول والفعل، وكونها خطوة في طريق إفراغ الأمور من محتواها والتركيز على مظاهر الأشياء.
وعلى الرغم من محاولات كثيرة لإنصاف الريف في القطر إلا أن مئات القرى بقيت محرومة من خدمات بدائية قياساً لما يجري في العالم حولنا والمقصود بها الماء والكهرباء، لكن المرء لا يعدم وجود إنارات كثيرة تخص أبنية التعليم وحالات الاستبشار التي أصابت الناس نتيجةً لاكتشافات تخص ثروات البلاد الطبيعية ربما أسهمت في إحياء بعض ما في النفوس وإن لم يلحظ أثرها في حياتهم. لكن مجمل الأحداث قد شاركت في تحريك الكثير من الثوابت، ولفت الأنظار إلى أشياء متنوعة لا يعدمها المرء الممعن في مجرى الحركة الثقافية التي كانت تعول على حركة الواقع أكثر مما رأته، وهنا لابد من الإشارة إلى المستوى المعيشي المتدني الذي راحت تسيطر عليه أمور حادة دفعت كثيرين للهاث الدائم طوال اليوم لتأمين لقمة عيشهم، وراح الفكر المهرجاني والتسويغي ينتشر؛ مما جعل البون شاسعاً بين ما يُعلن وماهو موجود، وقيلت دعاوى كثيرة تتعلق بضرورة العمل المتواصل لتأمين لقمة العيش، وقد تناسى أولئك المسوّغون أنه من حق الإنسان أن يعمل ساعات معينة تكفيه لتأمين احتياجاته دون أن يكون مضطراً للهاث طوال يومه.
"لقد بدأ حجم الأسئلة يكبر في هذه المرحلة في ظل تقويض العديد من الثوابت القيمية والأخلاقية، كان سؤال الجدوى يلح على أذهان الناس بحرارة في ظل ما يرونه بعيونهم من أمور كانت تحولاتها بادية لأن ما تعلموه وما آمنوا به راح الواقع يحاول تكذيبه، ويسعى لإحداث شرخ بين المرء ومحمولاته الفكرية والرؤيوية خلال تقديم الكثير من سمات الوقائع التي تناقض أو ترفض تلك المحمولات، وكانت الشعارات قد انتشرت وراحت تتكاثر بحماس شديد، ولقيت تشجيعاً يحاول أن يغطي عثرات الواقع وعيوبه، وكلما ارتفع شأن الشعارات وازدهر، كما هو معروف، كلما كان شأن الوقائع والأعمال يخفت وبرز للجميع الفرق بين ما يقال وما يتم صنعه، وازدهت وجوه المنبريّة التي كشفت الأيام التالية غُفلها وعدم جدواها""1".
إن هذه المرحلة تنبه المتابع على الكثير من القضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بحيث تضعه على المحك، ليرصد ويتابع ما يجري في حركة الواقع ومدى إمكانية تعبير الفن عما يحدث بعد أن استوت الأدوات التقنية وصارت في متناول يد ثلة كبيرة من الكتاب..
حول مرجعيات القصة وهمومها:
تابعت القصة القصيرة فى الجنوب في هذه المرحلة رصد مختلف تجليات الأحداث الاجتماعية والفكرية والسياسية، ويجد الباحث في هذا الميدان رؤية متميزة في التعامل مع عدد كبير من القضايا ذات الطابع السياسى والاجتماعى
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــ
"1" عبد الرحمن أبو عوف , البحث عن طريق جديد للقصة القصيرة ,صـ 111

ولافت للأنظار أن القصة قد واكبت الأحداث الكبرى التي حدثت مثلما عبّرت عن هواجس الفرد وآماله، وكانت خير معبّر عن طبيعتها وجديدها خلال أساليب فنية متميزة يمكن أن نجدها في عدد كبير من تجليات القصّ عبّرت عن مستويات فنية متقدمة أتيح لها أن تعلن عن نفسها، ولم تكن موضوعات كثيرة مما تُنُوول في هذه المعركة كان قد أخذ الصدى نفسه بل إن عدداً كبيراً خصت به هذه المرحلة نفسها، ولا يعود ذلك فقط إلى أحداث جديدة أفرزتها المرحلة ووقعت إبانها بل يعود في تجليات عديدة منه إلى اجتهاد القاصين وحرصهم على التجديد في الأسلوبيات الفنية، لذا فإننا نجد قصصاً فنية عن القمع مثلما نجد قصصاً كثيرة حاولت أن تشرك المتلقي في كتابتها عبر توجه مباشر من القاص إلى المتلقي، وقد نجح قاصون عديدون في الاستفادة من سيرتهم الذاتية، ناقلين إلى القراء معاناتهم في الكتابة والنشر والحياة. إضافة إلى تمكن عديد منهم في التعبير عن بيئات شعبية ذات خصوصية. وأفرزت هذه المرحلة تقنيات عديدة وجدت لها مكانة خاصة كالسخرية وسواها.
والمرء معني بالإشارة إلى أن مفهوم المرجعية هاهنا لم يتراجع بل نُظِر إلى المرجعية بصفتها مادة أولية للكتابة، وليست القصة محاكاة لها، بل إعادة بناء وإضافة وتخييل وشغل فني، وهذا أسهم في تحقيق مستوى فني معقول في معظم قصص هذه المرحلة.
رصدت قصص كثيرة جديد هذه المرحلة وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بخاصة أنّ الوعي والحركة الثقافية والفكرية والمطبوعات ووسائل الإعلام جعلت كثيراً من الأمور متاحة بين أيدي الجميع على الرغم مما بدا في المجتمع، من ذلك ما يتعلق بتحوّلات راحت تعلن نفسها اجتماعياً تشير إلى أن كثيراً من التعقيد والغموض في الآليات قد بدأ يسود، نظراً إلى تشابك الأحداث وإلى تحوّلات فكرية أسهمت في تغيير بنى جملة من العادات والتقاليد والأمور الأخلاقية والقيميّة.
1- مظاهر القهر:
غالباً ما يرتبط مصطلح القمع بالأسباب السياسية، على الرغم من أن المرء يمكن أن يجد له أسباباً اجتماعية وفردية، ومن الممكن أن يتعرض له المستضعفون من مثل الأطفال والنساء ويمكن أن نجد بعض تجلياته لاحقاً.
وقد نسب القص الذي يخصّ هذا الموضوع في هذه المرحلة إلى حدّ كبير لأسباب سياسية، والقيام بأعمال من شأنها عدم موافقة توجه السلطة، لذا فإن القمع يكون عقاباً من السلطة لفئة ما أو تنظيم قام بأفعال لا تتوافق ومصلحة هذه السلطة أو تلك، ومن مظاهر القمع: السجن، والخوف الدائم، والعقوبات الأخرى المتنوعة.
ولخصوصية وضع البلاد إبان هذه المرحلة فقد نشط هذا النمط من القصّ بصفته أحد مظاهر الرصد لما حدث، إضافة إلى محاولته تقديم تأريخ غير رسمي لهموم فردية واجتماعية، بخاصة إذا كان هذا المنع قد مورس ضدّ تنظيمات بعينها لها أدباؤها، والمدافعون عما تقوم به وتصنعه، مثلما هي تحاول أن تصوّر ما حدث، مما يمكن ألا يسجله التاريخ الرسمي.
وقد عرف غير كاتب بهذا النمط من الكتابة وأبدى كتاب عديدون تميزاً خاصاً في هذا النمط، لأن قصصاً عديدة ابتعدت عن الصراخ والمباشرة، وحاولت توضيح آثار هذا الموضوع، وما أثاره من إشكاليات نفسية واجتماعية تركت بصماتها على حياة الناس مثلما شكلتْ شرخاً في نفوس كثيرين أصيبوا بحالة قنوط، وباتوا يتساءلون عن جدوى هذا الواقع فى ظل هذه الممارسات
فمحمد عبد المطلب فى مجموعته القصصية "ثرثرة رجل طموح" يرصد ذلك الفساد الأمنى, وقضايا التعذيب, وحكايات زوار الفجر ففى قصة" الجيل" يؤكد القاص على رسم ملأمح الجيل المقهور سيايسا وبوليسيا فيقول" إن صلاح يحمل نفس السنوات التى نحملها على اكتافنا لكن صوته الهادئ يحمل ملامح مأساتنا وافراحنا القليلة , هل ننسى صوته الهادئ وهويقول لنا, فى أحلك اللحظات وأبداننا تعوى من صفع الهروات, سيأتى يوم نعرف فيه طعم الابتسامة سيأتى يوم يصير زمام الامور فى أصابعنا""1" وإذا كان محمد عبد المطلب فى هذه القصة يشير إلى التفاؤل بمسقبل سياسى منصف ألا أنه وفى نفس القصة يكشف عن خداع السلطات للجيل الذى مر عمره ولم يفعل شئيا, فصلاح بطل القصة المفقود والمتعلق به مستقبل الجيل حين يتم العثور عليه لم يكن صالحا بل تائها وسط جموع البشر قد كسى راسه تاج الشيب الابيض
هنا يكتشف السارد أن الجيل كله يحمل نفس التاج, بيد أن محمد عبد المطلب لم يفقد الامل ويراهن فى مجموعته على مسقبل سياسى أفضل.
وكأن هذا المسلك في التعبير قد أضفى على الموضوع أبعاداً خطيرة جعلت منه موضع نيل احترام وعطف وتجارب في المشاعر من الآخر، حتى لو اختلف مع الرؤية أو تلك، وذلك بسبب الطريقة التي تنوول خلالها، وهي بلا شك طريقة ذكية ومحسوبة، وكانت معظم القصص التي عالجت هذا الموضوع ذات مستوى فني عالٍ، وهو ما يجعل المرء يستعيد
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ ـــ
"1" محمد عبد المطلب , "ثرثرة رجل طموح" , الهيئة العامة لقصور الثقافة ,صـ13

الأمل في إمكانية كتابة قصص ذات موضوعات سياسية ضاغطة إنما بأسلوب فني ملفت بتقنياته وتجلياته.
ويأتى فاروق حسان فى مجموعته " الجرذان" كاشفا عن هذا العنف السياسى ويرصد فاروق حسان فى قصصه ذلك التطور إلى الاسوأ فى الدولة البولسية التى تخلت عن الهراوت إلى وسائل سياسية أكثر خبثا, منها الرعب النفسى, ففى قصة " التحقيق" يكشف فاروق حسان عن وسائل الأمن الحديثة فى التعامل مع المتهمين السياسيين والأجهزة الحديثة التى تستخدم فى التحقيق " ألقوا بى أمامه ورفعوا العصابة مضيت فترة قبل أن أجمع ما تبقى منى وأتبين ما حولى, سألنى عن الحال قلت إننى مررت بكل أجهزة الألم الوحشى ,سألنى عما إذا كانت لى ملاحظات عليها, قلت إن بعضها بدائى لكن غالبيتها حديثة وجميهعا وبشكل عام تؤدى مهمتها بدرجة لا توصف""1"
والقصّ الذي حمل تجليات القمع الذي يتعرض له الانسان ، لم يُعبر عنه فقط بصورة مباشرة وإنما يمكن للمرء أن يلمسه في هذه النبرة الحزينة عند كثير من أبطال القصص المقهورين نفسيا, ومن خلال أحلامه بالخاص من أوضاع القهر
فزكريا عبد الغنى يهرب إلى الحلم للتعبير عن سطوة الحاكم متخذا منه قناعا يطل من خلاله على القهر وتلسط الحكام وغياب الديقراطية واحترام أدمية الانسان واللعب بمقدرات الشعوب ويبدو ذلك فى مجموعة" الغرف البنفسجية"
ففى قصة "حلم السلطان "يستخدم زكريا عبد الغنى شكلا ساخرا فى السرد القصصى, وهو شكل ذو حدين يعبر عن واقع قهر السلطات للشعوب ويكشف عن خوف السلطات أيضا من الشعوب, ولقد عمق زكريا عبد الغنى قصته بذلك الوعى الحاد الذى ربط بين الواقع والحلم فى قصة فنية رائعة, فالسلطان يحلم ذات ليلة حلما مزعجا مؤداه أنه رأى شخصا طويلا هزيلا محنى الظهرفى لحيته شعيرات بيضاء قليلة متناثرة مجعد الجبهة غائر الوجنتين حاسر الرأس مهلهل الجلباب أسمر الوجه حافى القدمين يقتله ""2" هنا يعمد القاص إلى نحت شخصية القاتل نحتا ,ويؤكد على هذه الاوصاف ليسقطها على هذا الشعب الهزيل الجائع الذى يُفزع السلطان ثم يعمد القاص إلى رد فعل السلطان تجاه هذا الحلم فيصف لحرسه أوصاف هذا القاتل فينطلقون فى الطرقات, يخربون ويحطمون ولكنهم لا يجدون من يبحثون عنه فيكف السلطان ويتحول الحلم مجرد طرفة يُتندر بها لكن القاص لم يقف عند هذا الحد بل عبر عن ذاته هو فى نهاية القصة أو
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــ
فاروق حسان, " الجرذان" " أصوات ادبية" الهيئة العامة لثصور الثقافة , صـ 185
"2" زكريا عبد الغنى, الغرف البنفسجية, دار الكتب العلمية,صـ 103

أحلامه تجاه السلطان, حيث يصحو السلطان ذات ليلة فيجد بشرا لا حصر لهم شاهرى سيوفهم حاسرى وجوههم وجميعهم كان أسمر الوجه حافى القدمين" وقبل أن ينطق بالشهادتين صاروا جميعا ذلك الرجل الذى رآه فى حلمه ذات ليلة وتبدو سخريته ونبرته الحزينة مغلفة لهذا الحلم
إن ظلامات السجن وأجواء الاعتقال لا يمكن أن تجعل المرء ينسى بعض تفصيلاته الحياتية اليومية التي تحجز لنفسها أبعاداً نفسية محفورة بعمق في جدران النفس الإبداعية التي آلمها الظلم والاعتقال، وقد نجح القاصون في تنبيه المتلقي إلى خصوصية ظروفهم لأنهم قدموا رؤاهم ضمن بيئات متنوّعة ومزجوا اعتقالهم بحالات فقدٍ لأشياء حميمية في حياتهم.
ففى قصة " مأوى " يكشف فاروق حسان عن حالة أخرى من التعذيب تصيب بطل قصته بالرعب لدرجةأنه يخشى لو تحدث لقطعوا لسانه" فى المساء عدت الى جحرى, أنّ الباب وأنا أخرج المفتاح, أكف قصيرة طرقتنى طوال النهار لم أقل شيئا, فقد برزت فى العتمة المنتشرة قفازات كثيرة أنشبت مخالبها فى عنقى, ساقى, ذراعى, كتفى, فخذى, شعرى, أصابعى ,أطبقت فمى جيدا حتى لا يتبينوا لسانى" "1"وتظل هذه الاشياء محفورة فى ذاكرته وتكسبه قيم الصمت والخوف فى واقعه بعد ذلك
وتغدو بعض الأسئلة مشروعة في ضوء ما حدث، فحجم ما حدث لم يكن هيناً ولا سهلاً، ويتساءل شخوص عديدون عن جدوى البحث عن الحرية ومعانيها في ظروف كظروفهم يبدو فيها أن لا جدوى من شيء, فهذا الشيء بقي جسداً دون روح، اسماً دون دلالته الأصلية التي جرّد منها تجريداً تاماً ففى قصة "الجيل "يصور محمد عبد المطلب ذلك فى رد زوجة صلاح عليه حين ذهب يسأل عنه" فتحت لى الباب زوجته ولما سألتها عنه كانت هى أول من تفحصنى بعينين زجاجتين وواحهتنى بوجه أصم ولم ترد على ,إنما أغلقت الباب فى وجهى وأطلقت على سيلا من الشتائم "
هذا الجزء يعبر عن رؤيتين فكريتين فيهما الكثير من الطرافة المرّة التي تكشف أبعاد الظالم والمظلوم، إذ يحرص القاص على نقل أبعاد الموقف مصورا عدم إيمان الزوجة بجدوى ما يفعله زوجها ورفاقه
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ ـــ
"1" الجرزان , صـ 184

وقد استجاب القاصون لحالة الرعب التي تسيّدت المواقف آنئذ, بحيث صار الانسان ينظر الى نفسه وإلى الآخرين بضآلة بل يصلون عنده إلى الحشرات ويصور ذلك زكريا عبد الغنى فى قصة " النوم فوق حبل غسيل" مؤنسنا الحشرات فى محاولة للتأكيد على ضآلة عالم الانسان فى ظل القهر والقمع " حانت ساعة الانصراف, شردت من المبنى ألوف الحشرات الزاحفة والضفادع والزواحف الصغيرة, سرعان ما انتشرت فوق أرض الشارع المزدحم بالعربات الزاعقة وتلاميذ المدارس, ولما كان الشارع مكتظا فقد فكر الخارجون فى طريق للسير, تسلقت الحشرات العربات وقفزت الضفادع فوقها , ولما كنت حيوانا زاحفا وذكيا فكرت أن أصل إلى بيتى زاحفا تحت العربات, وكنت أخرج لسانى الطويل من أسفلها متهكما من الواقفين المحتشدين الذين لا يستطيعون المشى خلال الزحام""1" ويبدو طريفاً مثل هذا التخييل الذي استفاد منه القاص، ومع أنه يميل إلى فكرة محددة، إلا أن القاص أضفى بهذا التخيل على الفكرة شيئاً من الحيوية خلال الحكى الذي يحيل إلى وقائع مريرة ويصور عبد السلام ابراهيم فى قصة " بيت الثعابين" ذلك الهرج الناتج عن الصراع بين الحاوى والخالة حليمة ,وكلاهما يمارس قهره على الثعبان الكبير الذى ادعى الحاوى أنه موجود فى بيت الخالة حليمة, وما إن يخرج الثعبان مستجيبا لأمر الحاوى حتى تتلو عليه الخالة حليمة تعويذتها فيرتد إلى جحرة مرة أخرى, ويستمر الصراع بين الحاوى والخالة حليمة حتى ينهزم الحاوى فيخرج من جعبته كل الحيات التى جمعها من القرية وتتسلل فى طريق السيطرة على النجع ولكنه يقرأ عليها تعويذة الخالة حليمة فتعود فى وقار إلى حجورها, إنها سلطة القهر والحكمة ,فالحاوى ذلك النموذج للنصب لا يفلح أمام خبرة الخالة حليمة رمز الحنكة الزمنية ,وما هذه الحيات الا معادل فنى للمقهورين الواقعين بين فكى الحيلة والخبرة فى القهر بالحيلة والنصب
وتقول هيام صالح فى قصة " ورود":على مكتبي مشمّع أنيق تسكنه الورود .. بعض الوريقات داكنة، والأخرى فاتحة اللون, أسدد إليها نظراتي فتتفتّح الوردات عن طفلات يرقصن في فساتين واسعة قصيرة، وشعورهن تنعقد بفيونكات في ذيول أحصنة، وأطفال يرقصون بوجوه مبتسمة وخصلات ناعمة تبدو من تحت الطواقي الجميل.يتوقف رقص الورود الأطفال والطفلات فجأة حين يلمحون وردة ضخمة تنشق عن سلطان الحواديت بوجهه الجهم وكرشه الضخم خلفه حاشيته. يأتي يبتلع كل الحلوى .. كل الضحكات .. كل نغم الموسيقى. تنغلق بعض الوردات وتتوارى بعيداً .. بينما يقف بعضهم في صف واحد ووجههم للجدار»
فهذه القصة تستدعى صورة القهر حتى فى عالم البراءة وهو عالم الاطفال فسلطان الحواديت هو الرمز القابع فى واعية القاصة للشر الذى يقهر كل شيئ ويفسد الحياة حتى إننا نرى الحياة لونا واحدا علينا ان نحياه مقهورين, وهذا ما عبرت عنهالقاصة أيضا في قصة «بالألوان»: حيث
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــ
"1" زكريا عبد الغنى , بقع الضوء الملونة.دار المنار للطباعة,صـ84

تقول «حين أدرتُ تلفاز أحلامي جاء العرض باللونين الأبيض والأسود .. ظللتُ أتململ. فجأة اصطبغت الشاشة بلون واحد: الأسود فقط! .. كانت الأيدي تكبلني لمقعدي لأستمر حتى نهاية العرض‍ الحزين»"1"
وفى رؤية أخرى يقدم حشمت يوسف نوذجا أخر من القهر الشعبى تحت سلطة المعتقدات الشعبية فى قصة "ضريح الشيخ عيد فانوس" فبطل القصة الشيخ عيد فانوس الذى هبط إلى المدينة دون مبرر يحتل مكانة عالية بين أفراد المدينة, ويصبح قديسا ووليا ,وفى نفس الوقت تحت وطأة القهر الشعبى لكن الاعيب السياسية أرادت أن توظف هذا القهر لصالح السياسة, وذلك حين يستغله مرشح مجلس الشعب فى الدعاية ويلبس بنطلونا جينز "وتى شيرت" رسم عليه الفانوس رمز مرشح المدينة, ويطوف الشيخ عيد أرجاء المدينة فى مظاهرات تأييد المرشح ,وهويتحدث بحديث غير مفهوم, وتهلل الجماهير للشيخ المؤيد للمرشح والكل يسمع, والكل يفسر ما ينطق به الشيخ عيد حسب مكنون نفسه,
ولعل فى مثل هذه الانماط من القصص التى التقطت ذلك القهر السياسى والاجتماعى ما يعطى صورة حقيقة ليقظة كتاب القصة فى الجنوب ومسايرتهم لهذه المرحلة والتعبير عما يمور فيها من واقع سياسى طاحن للشخصية المصرية فى انتهازية تسعى الى تحقيق مصالح فئة معينة من الناس فقط
2- منظومة القيم
حين تفقد الأنظمة والقوانين وتغدو الرغائب هي القوانين لابدّ من أن يكون لذلك ثمرات على الأوضاع، وبالتأكيد ثمرات بائسات نظراً إلى الطبيعة المتأصلة في نفوس كثيرين يحاولون استغلال هذه الظروف ليحققوا السيّئ من رغباتهم وأهدافهم، وحين تغدو القيم والمبادئ ميداناً للهزء والسخرية فإن كلّ شيء يفقد أهميته وأحقيته بالوجود لانعدام كل مبررات هذا الوجود إذ تستمد المبررات جلّ جدواها خلال اتكائها على منظومة المثل السامية التى انعدمت وحلت محلها القيم المادية البشعة الامر الذى خلف صراعا مريرا بين الاجيال وهذا ماعبر عنه احمد ربيع الاسوانى فى قصة "التبلور" حيث ذلك الحوار بيت نوال وماريا والام فنوال ترى ان اباها عاش زمنا يرفل فى الصدأ ولا شئ فيه يدعو الى التفكير بينما الام تدافع عن جيلها وسيادته فى حين ان ماريا ترى انه على الانسان ان يتصالح مع الزمن كى يستطيع ان يعبر فوق كتفيه مفازة الحياة وان الاشقياء هم الذين يكتفون بترجمة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــ
"1" هيام صالح , للجبل أغان أخرى، سلسلة «أصوات معاصرة»، العدد (69) صـ 36

أفكارهم إلى أسئلة فى زمن يتأذر بالضباب ويتكئ على حد الدولار, فلم يعد هناك مجال للقيم والاخلاق, فالتفسخ الاجتماعى الذى أحدثه الفساد السياسى أفرز الفردية والأنانية والتصالح مع الزمن أى زمن بما يحمل من قيم مهما كانت هذه القيم
ومحمد عبد المطلب فى قصة" المنفى" يصور ما آلت إليه الأحوال من حيث تغيير الحق إلى باطل، وكيف أصبحت الأحوال والإمكانات التي جعلت من يملك السلطة والمال قادراً على إزاحة كل من يقف في طريقه, بحيث صار المجتمع تيارين، أحدهما صحيح والآخر خاطئ، ومطلوب من المنضوين تحت كل تيار أن يعيش مهما كان الثمن، وعلى الرغم من الأرق الذي يستولي على بعض الشخوص إلا أنهم في النهاية ينتصرون لقيمهم ويرفضون الانكسار، بخاصة إذا كان الثمن غاليا ً فبطل القصة الذى يمثل التيار الفقير حين يقترب من احد المطاعم الراقية التى تضم الفئة الاخرى الغنية من المجتمع يستنكرعليه الأغنياء ذلك, ويصرخ الرجل بصوته الخشن "كيف تسمحون لهؤلاء بالمجئ إلى هنا؟ واستخدام اسم الاشارة الجمعى "هؤلاء" يشير إلى وحدة شعور البطل بفئته فى مقابل الفئة الأخرى
ثم يأمر هذا الرجل الحراس بالقاء بطل القصة خارج المكان
ويصور عبد الرحمن الشريف فى مجموعته" مسافر نحو الداخل""1" الكثير من مظاهر انهيار القيم وتسلط الاغنياء على الفقراء وارتفاع صوت الفرد المالك على صوت الفقير المقهور, فسكر افندى فى قصة " حكاية سكر افندى " مقهور من قِبل ذلك المدير المتسلط والذى يعلو صوته عليه حين وجد بقايا سكر على مكتبه الأمر الذى دفع سكر أفندى يسعد كثيرا لموت المدير, وهى سعادة للتخلص من التسلط والقهر, وذلك المسافر الذى يستغل عدم وجود ثمن التذكرة مع السيدة التى حاصرها الكمسارى فيدفع ثمن التذكرة فى مقابل أن يوقعها فى شرك الفساد
3- الهموم القومية
لم يغب عن ذهن كتاب القصة فى الجنوب ذلك الهم العربى فلم تقتصر مخيلة السرد لديهم على مجتمهعم الداخلى بل تجاوزت ذلك إلى الهموم العربية والاشتغال على القضايا العربية, بعيداً عن دعاوى الالتزام والشعارات الصارخة مما أدى إلى أن يغدو هذا المحور من البؤر الرئيسية في الكتابة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــ
عبد الرحمن الشريف , مسافر نحو الداخل ,سلسلة اشراقات , الهيئة العامة للكتاب,صـ54

ولعل من تجليات التطور في تناول الموضوع القومي ما يلحظه المرء في آلية تناول ما حدث فى الانتفاضة الفلسطينية مع حماس الذى كان لاف للنظر في التناول القصصى, وربما أدت إليه حرارة الحدث واضطرامه اليومي ومفاجأته، ولأنه يعيد شيئاً من الأمل المهدور ويشكل عودة للروح، بخاصة أنه كان سبباً مهماً في إعادة رأب بعض صدوع النفس العربية المكسورة الخاطر لكثرة ما تعرضت له من انتكاسات وارتكاسات على مدى ثلاثين عاماً وأكثر.
ولم تكن قصص كثيرة ابنة لهذه المرحلة، إذ من الواضح أن عدداً منها قد كتب في مرحلة سابقة إلا أنها لم تنشر إلا في هذا العقد وهذا من المعتاد أن يحدث في كل مرحلة.وقد تقاسمت القصص ذات الطابع القومي والوطني همومٌ معينة، بعضها يتعلق بالموضوع الفلسطيني في تجلياته المختلفه, وبعضها عرج على صورة الاخر الامريكى أو الاسرائيلى, ولعل تناول كل هذه الموضوعات السابقة يعطي أدلة وثيقة على أن حقوق الشعوب تبقى راسخة في ذاكرة التاريخ، وما تتعرض له هذه الشعوب لا ينسى بين ليلة وضحاها، بل إن الأحداث التي تمس الوطن لا يمكن أن تدخل في دفاتر النسيان، لأنها تبقى لمدة غير محدودة تمد أبناء الشعب بأسباب القوة والاندفاع؛ بخاصة إذا غدت رمزاً وطنياً. ومن الممكن أن يعطي مثل هذا الأمر درساً لا يُنْسى للمستغلين مهما كانت البراقع التي يختفون خلفها.
أولا: القضية الفلسطينية
ونقف فى هذا الجزء عند نموذجين يبدو بينهما تباين فى عرض الانتفاضة الفلسطينية, الأول يقتصر على مجرد التسجيل فقط وانما كان للانتفاضة حضور خاص فى قصته وكأنه واحد من أهل فلسطين ويتجسد ذلك فى قصة احمد الليثى الشرونى " فى حقيبتى حجر" حيث تصور القصة ذلك الطفل الذى مات أخوه ماجد من قبل فى الانتافضة< والذى حين يخرج إلى المدرسة مع رفيقته سلمى تضع أمه فى حقيبته حجرا, وهو يرى كل الاطفال يضعون فى حقائبهم أحجارا إلا سلمى التى تضع لوحة, ويتناول القاص مشاعر الانتفاضة من خلال أحداث القصة معكسوة على الكبار والصغار, ونبرة الحزن البادية فى معاملة الأباء للابناء لكن تظل صورة الانتفاضة والجندى الاسرائيلى تسيطر على ذهن بطل القصة, ذلك الطفل البرئ. ومن ناحية أخرى صورة الأخ ماجد فهى القيمة التى يسعى إليها البطل, ولعل هذا الاقتباس يختزل تلك الرؤية"اشياء كثيرة تذكرنى بأخى ماجد حتى القمر عندما يكون بدرا أحدق فيه كثيرا واخاف السماء بلونها الأسود عندما يهجرها القمر ويترك النجوم تائهة ..أبى أحب الذهاب إلى أخى ماجدعنمدا تكبر سيكون مصيرك مثل .....ولم يكمل أبى حديثه وراح ياخذنى فى حضنه حتى شعرت أنى تلاشيت ,بعد الظهيرة ونحن عائدون من المدرسة فتحوا علينا النار, توارينا خلف ساتر ورحنا نفتح حقئبنا, أمطرناهم بوابل من الحجارة,فروا هاربين, تعجبت سلمى وفى اليوم التالى أخرجت اللوحة ووضعت مكانها حجرا""1"
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــ
احمد الليثى الشارونى , عنما نغنى رغم الوحع, الهيئة العمة لقصور الثقافة , 64
إن القاص يكرس جهوده فى هذه القصة للإشارة إلى أهمية النضال أو لتصوير بعض ما قام به العدو، أو تسجيل بعض ما حدث من بطولات, وبمشاعر المعايشة من الداخل والتعمق فى بروز حالة القاص وكأنه واحد من أفراد الانتفاضة, رغم أنه لم يكن كذلك, ولكن استغراقة فى التأثر بها جعله جزءا منها حتى أنه كان حريصا على استخدام مفردات خاصة بالشعب الفلسطينى مثل مفردة " الناطورة" وهى آلة رمى الحجارة
والنموذج الثانى لاحمد راشد البطل فى قصة " الرن .. روبى" وهى قصة اعمتدت على فن الكولاج فى ربط الداخل بالخارج ,الداخل العابث اللاهى الفوضوى بالخارج المنظم المقبل على الموت, فالقاص يربط الشهيد الفسلطينى الرنتيسى وبين مغنية الاغراء الجنسى روبى فيما يشبه تترات السينما التى تعرض مشاهد مختلطة لكنها تشير إلى مغزى المعروض, واحمد راشد بخلقه هذا اللون الكولاجى أوقعه فى براثن التسجيلية ,لكنه عبر من خلاله عن موقفه تجاه الخارج والداخل وفضحه, وعبر من خلاله عن تحمسه للقضية الفلسطينية وكراهيته للأوضاع الداخلية التى يشيع فيها الفساد
"هل سأخرج للناس عارية
لكنك سترتدين فستانك هكذا كى يبقى جسدك ثائرا, ارتديه, بدأت الطقوس, احتكاك الفستان الحريرى بجسدى الخالص يشعل فى داخلى قشعريرة يتبعها تيار كهربائى يليه دغدغة تنتهى بحالة من النشوى والهستيريا تبعث إلى الجميع كل مقومات الرغبة فى الانتقام فبعد انتهاء مراسم الدفن جلست مع شيخى نتابع سويا الإعداد لاستكمال المسيرة, كانت تلك الصواريخ تزلزل بيوتهم, امتلأت بمشاعر الفرحة استقبالا لذلك الرفيق الذى أفقدهم أحد جنودهم, فى الشهر التالى كان القائد الجديد بجوارى يستطلع أنباء الاستعداد لتلك الحفلة تحت سفح الاهرامات"
ويبدو أن القاص أراد تأكيد مقولته القصصية من خلال الاتكاء بكثير من المباشرة على مرجعياتها وأصولها من مثل ما يُسمع في الأخبار أو بعض الأغاني أو سوى ذلك من المقولات، وهذا مقصود منه ليسخر من الواقع السياسى الذى يترك القضية الفلسطينية ويهتم بحفلات تقام تحت سفح الهرم مما يؤثر فى تراجع دوره اقليميا
ثانيا: صورة الاخر
التقط كثير من القصص صورة الاخر المتمثل فى الامريكى او اليهودى مصورا الموقف الشعبى الكاره لهذا الاخر, مخالفا بذلك الموقف الرسمى للحكومات العربية ففى قصة " اتفاق" يصور محمد عبد المطلب كم مشاعر الكراهية لهذا الرجل اليهودى الذى كان يجلس على المقهى, وفى اشارة فنية جميلة يصور القاص عدم رغبة الوعى الشعبى فى الاحتفاظ بصورة اليهودى رغم أنه يصدمه كل يوم فى وسائل الاعلام المختلفة حيث يذكر
" كنت بالمقهى فى مدخلها شاب أجنبى, شعره يسقط على كتفيه وأنفه معقوف ولافت للنظر, تساءلت أين رأيت هذه الملامح؟ ومضت الإجابة فى ذهنى كالبرق فمثل هذه الملامح رأيتها فى سنوات سابقة لكن فى بذلتها العسكرية"
ثم يعمد إلى تصوير كراهية كل فئات الشعب لهذا اليهودى, وحساسية حتى الطبقات الدنيا تجاهه, فحين يشير هذا الأجنبى إلى ماسح الأحذية بالمقهى وبمجرد ان يقترب منه وينحنى ليلتقط الحذاء صاح الجرسون هذا كوهين يهودى اعتدلت قامة ماسح الاحذية بسرعة وتلقائية واكتست ملامحه بالازدراء, رددت بصرى بين الجرسون وماسح الأحذية واكتشفت أن ملامحى أيضا اكتست بنفس الازدراء""1"
وابتسام الدمشاوى فى قصة "تمثال""1" تكشف زيف الادعاء الأمريكى للحرية وكراهيتها للعرب, فبطل قصتها الذى ضل الطريق فى أمريكا ولم يعثر على من يبحث عنهم تقوده قدماه إلى تمثال الحرية الذى تساءل ما اسمها لينام, نام وقتاغير قليل تحت قدميها ثم يوقظه الجندى ويقتاده إلى قسم الشرطة, وسأله لماذا نمت تحت تمثال الحرية؟ ألا تعرف أن هذا ممنوع؟ هنا وجد الإجابة على تساؤله ما اسمها ولكن حيره سؤال آخر لماذا سموها بهذا الاسم ؟
إن هذا الإستفهام الاستنكارى من بطل القصة يختزل دلالات رؤية العربى لأمريكا ومعرفته كنه خديعتها وزيفها وإنها أبعد كثيرا عن الحرية, مخالف بذلك المقولات التى تروجها أمريكا بين العرب من أنها بلد الحرية ,ومخالفا وجهة النظر الرسمية التى تعطى انطباعا آخر عن أمريكا وتحاول ان ترسخة فى واعية الذاكرة الجمعية للعرب.
وبعد فهذه نماذج قليلة من إبداعات كثيرة لكتاب القصة الجنوبية, والذين استطاعوا أن يجعلوا من الواقع العيني مدارات لها ,فتخرج قصصهم متسكعة في الشوارع وتدخل الحانات والمساجد والحمامات والبيوت والأفران والأسواق، فتكون أحداثها وشخصياتها من تلك الفضاءات… و إذا كان من الأدب ما يرحل إلى الماضي والماضي السحيق فيجعل من التاريخ مناخاته التي تعلن عن أسئلتها الخاصة. بينما يجنح بعض الأدب نحو المستقبل لاستشراف الممكن فإننا لم نعثر خلال ما وقع فى أيدينا من قصص الجنوب على قصص تستشرف المستقبل وتستشفه بل كلها أو معظمها اتكأ على الماضى كمرجعية أساسية للقص والحكى الفنى, بيد أن هذا لا يقلل من قيمة النماذج القصصية فى الحنوب على المستوى الفنى الجيد
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــ

"1" ثرثة رجل طموح,صـ 79, 80
"2" ابتسام الدمشاوى , موعد مع أبى الهول ,صـ 6
1

رغبة ضائعة ( مشاعر مضطربة نجدي عبدالستار

رغبة ضائعة ( مشاعر مضطربة

كل شيء كان يجذبه  ليبحث عن مصدر العطر الذي يشده  حتى و لو بالتخيل . العطور التي لا يشمها إلا على أوراقه و بين حروفه و مع كلمات الحب التي كتبها لسنوات و لم يدرك منها إلا شذاها  ، و كأنه كتب عليه أن يمارس كل شيء على أوراقه وهو متوسد عباراته و ملتحف قصائده ، و كأنه بقايا من ورق ، ورق ممزق ، و آخر ممزوج بدموع ساخنة سقطت تغسل ألمه و تمحو إثمه و تتطهره  من كل ذنوبه التي غوته على تلك الأوراق  .
هز رأسه  متعجبا من أن يصبح الإنسان ورقة ، و حروفا مكتوبة ، و كلمات مقهورة من آنين الوجع و البعاد ، و من زمن لم يرحمه  ، و لم يترك له مرة واحدة اختيارا ..  تحرك ناحية الباب ناظرا لتلك المارة التي ملأت المكان ضحكا في وسط الليل و لا يشعر به إلا من كان يستقبل النهار و يودع ليل القاهرة بكل عبقه متنفسا نسمات الفجر في لحظة من اللحظات الخالدة التي تعانق الصمت في هدوء و ينسلخ الإنسان فيها كاللحاء من ألمه و تعبه و كأنه على ضيافة حبات من حبات الندى المتساقطة على بقايا حلمه  .
كانت تمر من أمام الباب  متمايلة غير قادرة على الحركة ،  راكنة بيدها على الحائط ، و بضحكاتها التي يسمعها منذ جاء إلى القاهرة في تلك الليلة من كل أسبوع ، و بحروف تائهة بين الشفاه و اللسان ، وبفستان تلون بالبنفسج ففاح عطره و ملأ الحياة جمالا  ، و بصدر عار يثور بعنف ضد القيد الذي وضعته فيه ، محاولا الخروج لهذا العالم ، معلنا عن حريته ، باحثا عن أنامل تلامسه في رقة من أحب ، فالمرأة اللعوب تعرف سر احتياج الرجل للحنان فتظهره في خبث الأنثى ليندفع ناسيا كل شيء ، و باحثا عن ثورة من دفء المشاعر ،  و من حب افتقده مع زحمة الحياة  ، و البحث عن لقمة العيش  .
 فتح الباب و معه غرائزه التي تحركه ناحية هذا العطر الذي يشمه من بعيد ، و تفصله حواجز عديدة ومسافات صنعها أو صنعتها الظروف  ، أو  تلك اللياقة البيضاء التي حبس نفسه فيها فجعلته لا يقترب من فعل إلا و بحساب ، لعلها واحدة منهن اللائي قمن بخدمة الوطن  عندما تسللوا لقلوب تحتاج لحنان ، و بعد انغماسهم في هذا الحب المزيف ذهبن تاركات جراحا لا تمحوها الأيام .. حاول أن يترك كل  هواجس الجاسوسية التي غرزها ذلك الكرش الذي لا ينساه مهما مرت الأيام ليقسو على نفسه مغادرا قليلا من خجله ليسألها: من أين آتت ؟ و أين ستذهب ؟ لم ترد و لم تكن في حالة تسمح بالرد غير أنها أرادت أن تنام و لو قليلا ممدة مع ألمها و خوفها الذي لا يتركها . نظر لها مندهشا لأنه لا يعرف من هو صاحب الحظ الحسن الذي ينعم بهذا العطر الذي دوخه. هذا العطر الذي يأخذه إلى عالم  بحث عنه كثيرا ، و اشتاق له كثيرا  . يضحك و هو يحاول أن يوقف أمنيته و رغبته التي تقوده لأن يرتمي في حضنها.....
رغبة تدفعه و تجعله لا يفكر و كيف يفكر و هو أمام غول من الأنوثة يبتلع كل من يقترب منه  ... هوت عليه ليستقبلها على صدره و هو في حالة خوف و قلق ممن حوله الذين كانوا يعانقون ثبات الليل في هناءة أو تعاسة خلف أبوابهم ، و مع أسرار بيوتهم التي لا يعرفها غيرهم  .
دفعت بابه دون أن يسمح لها و عبرت عتبة البيت و هي تتمايل غير قادرة على الوقوف  ، هذه الحالة جعلته ينظر لها و قد دفعت يده و دخلت متراقصة من شدة التعب ، ثملة غير دارية بالعالم حولها ، منفصلة تماما عن كل شيء ، تبحث عن ذلك المكان  الذي سيضمها في شفقة المحب .
 بنفس الحروف المتلعثمة و الضحكة المرتفعة التي ترج جدران شقته ، ما جعله يسرع في غلق الباب  ، و عائدا إلى الداخل و هو لا يملك قرارا ، فقد نسى عقله على مكتبه بجوار أوراقه و قلمه الذي لا يفارقه أينما ذهب ..
لم يجد إلا عطرا يملأ أرجاء بيته و معه رائحة دخان تفوح فتتشابك مع عطرها ليكون حالة استثنائية تقبل فيها  الحسن و السيء في وقت واحد .
 كان العالم يتراقص أمامها و لا تدرك ما حولها  ، و لم يكن هو في أشد حالات التفاؤل فكل ما كان حوله طوال يومه و مع ذكرياته التي افترسته طوال ساعات طوال تنذر أن أمرا غير مألوف سيحدث ، فلم يحدث أمر جديد في يومه و لا ينتظر أن ينهيه بأمر أخر يعيد نبض الأمل.
بحركتها و أقدامها الملتفة حول بعضها ، و أصواتها الخارجة من أعماقها ، ونظراتها الباحثة عن مكان ترتمي عليه ......وعندما وجدت الأريكة ارتمت و انفصلت عن العالم  تماما  دون حراك ، و كأنها نبتة في أرض ميتة لا يوجد لها أنيس و لا أخت تشكو لها وحدتها .
ضحك و هو يتذكر قطب عندما نسج فلسفته العميقة في توحد النخلتين عندما صرخت لأختها قائلة : (حدثيني لما نشقى ، حدثيني كم سنلقى ، حدثيني كم سنبقى واقفات ) .
سأله نفسه كم ستبقى معه ، و كم سيشقى برؤيتها ، ضحك ثم نظر لها و لتلك الأريكة التي تحمل أسرارا كثيرة مضت و لم تترك إلا جراحا قاسية يوم  جلست بجواره هنا في هذا المكان  ، فكر لو التقيا و تقاربت أناملهما و همست مشاعرهما و غابت عقولهما  ليدرك أن الأمر مختلف و أن الحب لحظة لا تترك ...  لم تترك كلماته تكتمل وقفت و أعلنت بعد تصميم أن تضع نهاية لكل ما مضى و أمام عجلة القادم المخيف الذي يحيطها بكثير من الضجر و السهد و يقض مضاجعها و يزعج هناءة  نومها الجميل  تمنت أن ترحل عن رجل استسلم و رضي بدوره الهزيل . فالمرأة تحتاج رجلا يحيطها و يكنفها كما يكنف الطير صغيره ، هي لا تحب الضعف و الهوان و لا ترضى بالندية ، و لا أن تكون مستأسدة في بيتها فكيف تستطيع المقاومة و الندية وطبعة حبيبها من قبلات على وجنتيها و على شفتيها و فوق الجبين كما قالت ( ماري كورلي ). هي كائن يحب الطاعة و الاستسلام و الأمان حتى في شدة لجاجتها عن حقوقها و المساواة وهو كغيره رضوا و لم يتحركوا كأنهم أصنام من حجارة لا قيمة لها إلا مشاهدة عالم و أحداث لا دخل لها فيها هي فتاة ثائرة تحلم بالثورة و العنف وتكسير كل جدران الخوف و تبحث عن رجل يكون قويا يقوم من أزمته أقوى مما قبل ا يهرب من مكان لمكان يعيش بين هواجسه و على مداد قلمه . عندها رحلت ككل امرأة تركته متمسكا بأواصل فشله  و بقى وحده بين أحلامه الثكلى و أمنياته  الثملى يشرب نخب خيبته التي تزداد يوما بعد يوم   ... حاول أن يستفيق على كلمات تمتم بها و هو وحده لتتوه حروفها بين شفاه تشعر بغصة في الحلق ، أخذ يردد و كأنها أمامه : ككل شيء يدعو إلى الملهاة  ، أدعوك لحفل راقص على نخب أيامنا الضائعة في حب لم يكن في مكانه ، و قصة بلا عنوان  ، و حكاية لا بداية لها و لا نهاية .
أدعوك أن نرقص في حفل وداع الكذب و الخداع ...............هيا أغمضي عينيك ، سيري ببطء ، و دعي أحلامك خلف ظهرك ... هيا نهرب معا مع سراب أمانينا و وجع غيرتنا .... 
أتعرفين كيف يغار الرجل على حب يضيع منه ؟ أتعرفين كيف يشعر بألم الأثرة و حب الذات مع امرأة وهبها قلبه و استسلم لها و كأنه رضي بالعشق يفعل به ما يفعل ؟ دعوته لرحيل بلا ضجيج بلا صوت لموج البحر بلا رفيف لأوراق الشجر أو رذاذ المطر أو نغم حزين يشدو به قلب منكسر للهروب خلف السحب أو خلف النجوم أو في جوف البحار و يجعل حكاية حبه لها لؤلؤا يغار منه المحار ليخبئه من عيون الحاسدين و يصمت أمام زهرة تتساقط أوراقها و تمده  برياحين الحب و لتتحول لثمرة يانعة تهب له كل الحب و تموت في صمت و بلا ضجيج .  
رأسه تهتز بحركة غريبة و هو يصرخ قائلا :  كيف أعددنا مائدة من ذكرياتنا  على طاولة الأيام  ؟ وكيف هان علينا أن نترك الآخرين يتذوقوها و يشربوا نخب فراقنا على جثة هوانا ؟ .............. لم يكن جديرا بنا و لا حريا  أن نفعل ذلك ،  كان علينا أن نقاوم و نقاتل كل ما يقابلنا ، كان علينا أن نفتك بالظن و حكاياته و نتمسك بحبنا و عشقنا .
كل ذلك و هو ينظر و يحاول  أن يجد إجابة لسؤال يتردد في داخله و بصوت مرتفع أخذ يصرخ ماذا سأفعل مع تلك الهابطة من جبال الرغبة و من غريزة الشهوة ؟ لماذا وضعت نفسي في هذا الحوار السخيف مع امرأة عارية من كل شيء ؟  امرأة لا أعرف من هي  ، و لماذا دخلت إلى هنا ؟