الثلاثاء، ٦ ديسمبر ٢٠١١

عبد الحافظ متولى قصيدة وقراءة القصيدة ترنيمة الخلود للشاعرة / أسماء صقر القاسمى

قصيدة وقراءة
القصيدة

ترنيمة الخلود
للشاعرة / أسماء صقر القاسمى
ترنيمه الخلود
يا من القيت الى اليم صغيرا
قد صرت كبيرا
اشرب هذا اليم جميعا
لكن
لا تبحث عن ذاتك في التابوت
من يرحل في التابوت
سيهرب من بركان الموت
صورتك الاجمل فوق الماء
لبست من نور اليم رداء
عيناك تحدق فى المجهول
ولسانك يجرى كالمذهول
أنفاسك باتت تتحرر
بعضك كلٌ متحور
أحذر أن تتكسر
من يتكسر سوف يموت
المد سينشر
صورتك على الأشياء
فى كل مساء
الموج تموج به عيناك
المد سيهرب من يمناك
المد سيهرب بالتابوت
ستكشف لك كل الاسرار
ستحدق فى قلب المحار
المد فرار
المد فرار
المد يزيد
يتناثر فى الأفق الممدود
والبرق هناك
والرعد هناك
أنت المد
لا تتبدد
لا تتوحد
من يتوحد سوف يموت
القيت الى قلب اليم
لا تتكلم
وتأمل فى صمت وسكوت
من يتكلم سوف يموت
المد هناك
اترك ذاتك سوف تراك
ان جاء المد فمد يداك
و التمس الرحمة في الملكوت
فالمالك ليس يموت
من مات على كف الرحمن
ليس يموت
من مات على كف الرحمن
ليس يموت

القراءة
سيدتى الشاعرة الجميلة
ذكرتنى قصيدتك الرائعة هذى بمقولة لجميس جويس يقول فيها :
"لو أنَّ رجلا كان يهذى وأمسك بقطعة حديد وظل يضرب على جذع شجرة , فرسم شكل بقرة , هل نسمى هذا شكلا فنيا؟ ويجيب حويس ايضا بقوله : " بالطبع لا , لأن الشكل الفنى لابد أن يكون خلفه وعى جمالى ونفعى " والخطاب الشعرى لهذه القصيدة يعتمد شكلا يبدو فيه الوعى الجمالى والفنى والذى اعتمد على نظام الدفقات الشعورية التى تهبط تارة وتعلو تارة وفق حالة المد والجزر الشعرى يمتد هذا الخطاب عبر خيط درامى يبدا من شعرية العنوان " ترنيمة الخلود" وهذا السياق التركيبى يضعنا أمام حالة شعرية تنبئ بالفرح فى ظلال مفردة الترنيمة التى تتعامد على لحن الخلود , فهل تحقق هذا العنوان فى متن النص؟
فإن العنوان علامة مختزلة ومفتقة للدلالة في نفس الوقت ,مستفزة للبنى الخفية في النص, والعنوان يقوم على تركيب نصي يعد مفتاحا منتجا ذا دلالة ليس على مستوى البناء الخارجي للعمل فقط بل يمتد إلى البني العميقة في النص ويتوالد فيها, والعنوان يشكل بنية إشارية دالة تحمل الكثير مما يخفيه النص بل أن العنوان أحيانا يقول ما لا يقوله النص, ولذلك فهذا النص يواجهنا بتركيب نسقى عجيب " غزة ثم نقطتين تمثلان تنهيدة عميقة قبل عرض الهموم وكأننا أمام تشكيل بصرى دال, ثم هموم لا تنتهى" وهذه البنية النسقية فى تركيبها السيميائى تشير إلى إيقاع نصي يجمع بين غزة باعتبارها رمزا للجرح العربي والكرامة العربية المهانة, ثم تأتى جملة "هموم لاتنتهى "لتغلق الدائرة الدلالية وتصبها فدى إطار التأكيد التراكمى للمعنى العام للهزيمة والجرح الموغل في الألم والكرامة المهانة, ومن هنا فإن العنوان اختزل الدلالة الكبرى للنص, وتفتق على أكثر من دلالة جزئية تطرح أسئلة مشروعة, من باب: لماذا تراكمت الهموم؟ وكيف أصبحت غزة هموما؟ ومن الذى حولها إلى هموم؟ وكيف تحولت القصيدة إلى شعرية الحالة؟
هذا ما سوف يجيب عنه متن النص

استهلال النص نواة متنه
لفاتحة النص دور كبير في إشراق النص جماليا ودلاليا أو تشتته والفاتحة هنا اعتمدت على صيغة خبرية محكمة ودافعة بقوة إلى الولوج في عالم النص
"يا من القيت الى اليم صغيرا
قد صرت كبيرا
اشرب هذا اليم جميعا
لكن
لا تبحث عن ذاتك في التابوت
من يرحل في التابوت
سيهرب من بركان الموت

إن النداء هنا ( يا ما ألقيت الى اليم صغيرا)يؤسس لفاتحة دالة على الدهشة ووصف ووصف لحالة الذات المتوترة وتمهد لانفتاح النص على خطاب ذاتي وتاريخي واجتماعي يصف الحالة ويؤكد على عمقها مستخدما مفردات مقومات الحياة "االتابوت /اليم/ الموت/ بركان / " بما يشير إلى أن الشاعرة تؤكد شعرية الحالة ووجوديتها في آن، ويكشف عن علاقة القصيد بالواقع المنهار والمتردي وهذه الحالة تتوالد داخل النص كأنها نواة بنت عليها الشاعرة نصها, ومن خلال النص تكشف(العنصر الذاتي) بموضوعية في شكل منطقٍ شعري/ خصوصي/ يتجه نحو الذات ونحو الأفكار في آن واحد , وتكمن تأويليته في دنوها الواضح من المتلقي، بلا ترميز غامض، وكأن نصه بقدر ما يكشف، يحكي، ويؤكد، امتداداً وفضاءً مفتوحاً، عبر تلك الفاتحة في مقدمة النص والشعرية الموازية لها، والدافعة في ذات الوقت نحو الحالة التي يرصدها النص، إذا تفهمنا آلية الشاعرة، منذ العنوان، حيث يؤكد حقيقة ماثلة داخل العنوان(الخبري) وفي(ثنائية) مفارقة،
ف"صورتك الاجمل فوق الماء
لبست من نور اليم رداء
عيناك تحدق فى المجهول
ولسانك يجرى كالمذهول
أنفاسك باتت تتحرر
بعضك كلٌ متحور
أحذر أن تتكسر
من يتكسر سوف يموت"

وكأَن وجود(الحياة /والموت) داخل الواقع النصى وصراعهما الدائب أصبح حقيقية- موضوعية- راسخة،.. تحول الحالة إلى جحيم يشبه جحيم "دانتى" وأبطال "كافكا" الذين ألقى بهم الصراع على الحياة والبؤس في العراء, وأصبحوا منفيين في زوايا العالم,
و الولوج إلى عمق النص تمهده لنا الشاعر ةمن خلال هذا الصراع بين ثنائية الموت والحياة وهي-هنا- ليست لعبة مثاقفة، بل روح وعي ثقافي، سنجده ميزة صياغة مدروسة لقصيدتها، وكأنها لا تسجل إنثيالاتها، عفويةً، بل تعيد كتابتها شعراً من داخل عقلها قبل وجدانه وبشكل فلسفى عميق، لذا تبدو، وقد اتخذت حالات الاستذكار والسرد في مبنى حكائي دال، هو خطاب الشاعرة وخطاب النص في آن واحد.
فتجوس الشاعرة في الذات، ثم تصف المكان من خلال انطباع ذاتي.. مأساوى, لذا يدخل منطقة الموضوعي شعراً، كضرورة، يعتقدها لازمة في إيضاح الفهم لصياغتها الشعرية ، مستبعدة الاحتمالية أو التأويلية وإنما تضعنا مباشرة أمام التاريخ والجغرافيا, و التاريخ في الإسقاط الذي صنعه داخل نصه مع تاوبت موسى وما يحمل من رمزية مقدسة تضرب فى عمق التاريخ مبررة فى ذلك شرعية الخلود والبقاء
"
والجغرافيا في جغرافية الماء التى تشكل مرآة الروح وفضاء الذات الشاعرة المتوترة الباحثة علن الخلود فى مقابل الفناء من خلال ظاهرتى المد والجزر
"لمد سينشر
صورتك على الأشياء
فى كل مساء
الموج تموج به عيناك
المد سيهرب من يمناك
المد سيهرب بالتابوت
ستكشف لك كل الاسرار
ستحدق فى قلب المحار
المد فرار
المد فرار
المد يزيد
يتناثر فى الأفق الممدود
والبرق هناك
والرعد هناك
أنت المد
لا تتبدد
لا تتوحد
من يتوحد سوف يموت"
فالتوح د مع الماء موت والخروج من التابوت بقاء وهنا يتحول النص إلى لوحات من(طبيعة): بشرية/ وحياتية، واختلاجات، تتراتب جملة، جملة، ومقطعاً مقطعاً، بقصيدة- كأنها كتلة لهب- ذات إيقاعات جمالية مساعدة، ورؤي، وقص..، قصيدة مديدة، وتلك هي تحكمية آلية الكتابة لدى الشاعرة فشعرها لا ينفلت عنها، بل يصاغ بوعي موضوعي حيث تجد تلك القرابة المتلازمة بين جملة وأخرى وبين مفردة وأخرى في تعالق نصي عجيب تفضى كل مفردة إلى أخرى في تشكيل حجم المأساة
"المد هناك
اترك ذاتك سوف تراك
ان جاء المد فمد يداك
و التمس الرحمة في الملكوت
فالمالك ليس يموت
من مات على كف الرحمن
ليس يموت
من مات على كف الرحمن
ليس يموت" والموت هنا الخلود الحقيقى وهنا يتوالد العنوان داخل النص بما يشبه سدى الحائك ويصبح المتن هو ذلك العلاقة العضوية الشعرية التى تأسست على شرعية العنوان
وهكذا تستمر الشاعرة في كشف منطقة اشتغالها(الشعري/ النوعي/ الخصومي) عبر ثنائية العنصر الذاتي هو- دائماً- ظرف الخطاب ووجهة النظر -الأحكام- حيث كما أشرنا يدخل بالضرورة ذلك المنطق في كل فعل للفهم، داخل نسيج القصيدة ، لذا تلجأ الشاعر داخل النص إلى الصيغ الانشائية كالامر والنداء الدالة والكاشفة عن عمق التجربة الشعرية للتشبث بالأمل، و كتعويض عن بؤس الحياة بفرح الخلود الأبدى فمن مات على كف الحمن ليس يموت
والشاعرة هنا لا تسعى إلى"زيادة القول" بل تقربه إلى ذاكرة الحاضر مستبقة الكمال، وتحركها الإرادة القوية وثقافتها الدينية وتفضيل الخلود الباقى على البقاء الفانى معتدة على توهج ثنائية: (الموت والحياة) لتفتح بذلك وعيا جديدا في تلقى نصوص الحالة الشعرية الواقفة عند حد الذات المخلصة لربها الواعية بحدود واقعها والداخلة فيه والقصيدة متوهجة أيضابما تحمل من ميزات جمالية وإيقاع موسيقى هادر يناسب طبيعة الفوران الشعري في الحالة ,ولغة صاخبة معظم حروفها مفخمة كاشفة عن بركان الثورة في الذات الشاعرة , هنا يبدو الخلود مطلبا واعيا لدى الشاعرة والمتلقى نعا وتحقق بذلك لذة التلقى
اعتذر عن الثرثة سيدتى واحييك على هذا النص الرائع الجميل كروعتك تماما

هناك تعليق واحد: